مرض الخصية المعلقة عند الأطفال
هو مرض ينشأ نتيجة فقدان الخصية لطريقها الصحيح في النزول إلى مكانها الطبيعي في الكيس. أي أن الخصية تضل طريقها في النزول من البطن إلى الكيس وتقف في إحدى محطات النزول الطبيعي.
ولتوضيح ذلك أكثر يجب أن نعرف أن الخصية في الشهور الأولى من الحمل تكون موجودة بالبطن في مكان مجاور للكلية كما هو واضح من الشكل التالي. ثم تبدأ في النزول ابتداءً من الأسبوع الثامن من الحمل وتصل إلى القناة الأربية في أعلى الفخذ في الأسبوع السابع عشر ثم تتحرك في القناة الأربية حتى تصل إلى أسفل الكيس في الأسبوع الأربعين وهو الأسبوع الأخير من الحمل.
صورة نادرة لجنين في الشهر الثالث وتظهر فيه بوضوح وجود الخصيتين فوق المثانة قبل نزولهما إلي المكان الطبيعي
لقد شاءت أرادة الله آن يكون المصنع المسؤول عن تخليق وحفظ الحيوانات المنوية موجوداً خارج الجسم في كيس الصفن، في حين أن مبيض الأنثي الذي ينتج البويضات يظل قابعاً في تجويف البطن.
لذا فإن الخصية والمبيض يتكونان بالبطن فتنزل الخصية للخارج في كيس يغلفها ودرجة حرارة أقل، في حين يبقي المبيض محفوظاً في البطن.
ونزول الخصية من البطن إلي الخارج عملية معقدة جداً تتحكم فيها عوامل عديدة. ولا يدري أحدٌ حتي الآن ما هي الحكمة من هذا الفرق الجوهري بين الذكر والأنثي.
آن نزول الخصية إلي الخارج في رحلتها المعقدة، قد يعرضها إلي ما يعرقل النزول فتظل عالقة بالبطن، ويعرضها كذلك للصدمات خلال عمر الذكر وتقلباته في الحياة.
كما أن وجود الخصية في مكان بعيد عن فتحة التبول (التي تنزل منها الحيوانات المنوية المخزنه في الخصية) يجعل رحلة الحيوان المنوي طويلة جدا ( ١٥-١٨ سم ) حتي يلتقي بالبويضة القابعة بجوار الرحم ولا تتحرك إلا لبعض مليمتترات أثناء عملية التلقيح.
ونسبة حدوث هذا المرض في أغلب بلاد العالم تتراوح بين 5 .1– 8, % ولكن الملاحظ هذه الأيام أن هذه النسبة في ازدياد .
وينبغي أن نذكرها هنا أن هناك أمراضاً معينة تزداد فيها نسبة حدوث المرض : –
مثل مرض العيوب الخلقية في الجهاز العصبي ومرضى عيوب جدار البطن، وكذلك هناك عامل وراثي لا يمكن إغفاله فالطفل الذي يعانى من مرض الخصية المعلقة قد يُصاب أخوته بنفس المرض بنسبة 4 % و الوالد الذي كان مصابا بالمرض هناك أحتمال بنسبة 6 % أن يصاب أولاده بنفس المرض.
ولكن ما هي الأضرار التى تنشأ من هذا المرض ؟؟
شاءت إرادة الله أن تكون الخصية – وهي المصنع المختص بتكوين الحيوانات المنوية – في خارج البطن في كيس الصفن لأن البيئة المناسبة لتكوين الحيوانات المنوية – ( الحيامن وهو اسم مفضل لدي لوصف الحيوانات المنوية) يجب أن تكون أقل من درجة حرارة الجسم بدرجة ونصف درجة مئوية. ولذلك فوجود الخصية في البطن في درجة حرارة أعلى من الدرجة المطلوبة يؤدى إلى تغيرات في الخصية يجعلها غير قادرة على تكوين الحيوانات المنوية فيما بعد، أو أن تكون حيوانات منوية مشوهه غير قادرة علي تلقيح البويضة، ولذلك فإنه يجب أن تنزل هذه الخصية إلى مكانها الطبيعي بعيداً عن درجة حرارة الجسم قبل سن الثانية.
بل إن هناك دراسة عن أن وجود الخصية في البطن حتى سن الثالثة يفقدها حوالي نصف كفاءتها في تكوين الحيوانات المنوية.
ومن المضاعفات الأخرى لمرض الخصية :
- قابلية حدوث التفاف في الخصية .
- زيادة نسبة حدوث سرطان الخصية بنسبة حوالي 9 مرات عن احتمال حدوثها في الأشخاص العاديين.
العــــلاج :
التدخل الجراحي في سن مبكرة هو العلاج الضروري لمثل هذه الحالة. وأفضل سن هو سن سنة ونصف إلي سنتين والإتجاه العالمي حالياً أن يتم التدخل قبل سن سنتين. ولكن إجراء الجراحة بعد 4 سنوات يقلل من كفاءة الخصية بنسبة 40 % ومع ذلك فيجب إجراء الجراحة حتى وإن كانت السن بعد ذلك لأن نزول الخصية له تأثير إيجابي على عمل الخصية وكذلك على الحالة النفسية للطفل.
يتم حاليا وفى مراكز كثيرة في مصر استخدام المنظار للكشف عن مكان الخصية المعلقة غير محسوسة بالكشف الظاهري، ويتم كذلك التعامل معها وإنزالها إلى مكانها بمساعدة المنظار.
صورة توضح بداية تكون الخصية والأماكن التي يمكن آن تتوقف فيها قبل نزولها إلي موقعها الطبيعي
نسيان يتبعه الحرمان
أغلب المرضى الذين يحضرون إلى عيادتي من الأطفال ونادراٌ ما يأتي إلى مريض في سن الرجولة ومن أعجب الحالات التي قابلتها في حياتي مريض متزوج منذ سنتين ولما لم ترزق زوجته بحمل خلال هذه الفترة قام الزوج بعمل مجموعة هائلة من التحاليل والفحوصات لها، وكل النتائج جاءت طبيعية للزوجة وأخيرا أقتنع الزوج بأن يقوم بعمل فحص لنفسه ولما أفادت النتيجة بأنه لا يوجد عند هذا الزوج أي حيوانات منوية جاءني ليسألني النصيحة، وتوقعت بأن يكون هذا الزوج مصاباً بمرض بسيط في الخصية، كالدوالي مثلا.
ولكن المفاجأة التي عقدت لساني وشلت تفكيري لدقائق – مرت كأنها الدهر – أن هذا الرجل لا يوجد عنده أي خصية !!! …وكيس الصفن فارغ تماماً وضامر كذلك؛ أي أنه مصاب بمرض الخصية المعلقة ولكن في الناحيتين منذ الطفولة.
وأسئلة كثيرة قفزت إلى ذهني أولها أن هذا الرجل ليس عنده أي فرصة للإنجاب فماذا هو فاعل؟.
ثانيا : كيف مرت عليه كل هذه الفترة دون أن يكتشف مرضه ؟
وكيف لم ينتبه إليه أحد من عائلته –خاصة الأم – لتكتشف هذه الحالة مبكرا وتبادر بعلاج أبنها؟
ثم ما مدى إصابة هذا الرجل بمضاعفات الخصية المعلقة التي تظل دون علاج لفترة طويلة؟
لقد وجدت في عرض هذه القصة التي جرت أحداثها أمامي منذ حوالي خمس سنوات مناسبة لأبين مدى ما يمكن أن يسببه جهل الأم وكذلك المجتمع لرجل في هذه السن قد فقد أي قدرة على الإنجاب وقد كانت الفرصة متاحة – لو أراد الله – وتم التدخل لتصليح هذا المرض في سن مبكرة.
حين سألت هذا المريض : ألم تلحظ أن هناك شيئاً غريباً في الخصية أسترعى أنتباهك ؟
قال لي إنه لاحظ ولكن لم يكن يتوقع أن هذا الوضع سوف يؤثر على قدرته على الإنجاب ثم جرفته الأيام في تيارها وبين التكاسل والخجل ضاعت فرصته في أن يُنادى في الحياة بلفظ يا بابا!!!
في مثل هذه الحالات كنا في الماضي نقوم باستئصال الخصيتين لأن احتمال إصابتهما بالسرطان احتمال عال يصل إلى تسعة أضعاف احتمال إصابة الشخص العادي .
ولكن مع تطور أستخدام الموجات الصوتية فإنه أصبح بالإمكان الكشف على أي ورم يصيب الخصية مهما صغر حجمه، ولذلك فإن الإتجاه حالياً نحو تثبيت الخصية في الكيس وعدم استئصالها آية كانت سن المريض.
ونقطة أخرى يجب ذكرها في هذا الصدد، وهى أن المريض الذي تستأصل خصيته أياً كان الدافع لهذا الإستئصال فإن الوضع النفسي للمريض يكون سيئاً للغاية سواء كان طفلاً أو رجل